كبار السن والنساء في المقدمة.. تغير المناخ أزمة متزايدة تهدد حياة الملايين

كبار السن والنساء في المقدمة.. تغير المناخ أزمة متزايدة تهدد حياة الملايين
كبار السن والنساء - أرشيف

في ظل تسارع وتيرة الكوارث البيئية حول العالم، يتضح يوماً بعد يوم أن تغير المناخ لم يعد مجرّد خطر مستقبلي، بل أزمة راهنة تهدد حياة الملايين، وتؤثر بشكل غير متساوٍ في الفئات الأكثر ضعفاً بالمجتمعات، فقد باتت موجات الحر القاتلة، والفيضانات وحرائق الغابات، وارتفاع مستوى سطح البحر، جزءاً من مشهد يومي، تتداخل فيه العوامل المناخية مع الأوضاع الصحية والاجتماعية والاقتصادية، لتنتج معاناة مضاعفة لدى بعض الفئات.

وفي هذا السياق، كشف تقرير جديد صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) أن كبار السن، والنساء الحوامل، والأطفال، وذوي الإعاقة، والفئات منخفضة الدخل، والعمال في المهن الخطرة، جميعهم يقفون في الخطوط الأمامية لمواجهة آثار تغير المناخ. 

وحذر التقرير الذي يضع مؤشرات علمية وملاحظات إنسانية دقيقة، من اتساع فجوة الهشاشة المناخية، مشيراً إلى أن الفشل في حماية هذه الفئات سيقود إلى خسائر فادحة على مستوى الصحة العامة وكرامة الإنسان.

وعبر إحصاءات حديثة ودراسات ميدانية، يتتبع هذا التقرير كيف تؤثر التغيرات المناخية في الأنظمة الحيوية لدى الإنسان، وعلى ظروف المعيشة اليومية، وعلى قدرة الفئات الضعيفة على التأقلم، في وقت تتطلب فيه الأزمة استجابات فورية، وخطط وقائية عادلة، وسياسات إنقاذ شاملة.

ارتفاع عدد الوفيات

أفاد تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة "يونيب" بأن “عدد الوفيات التي ترتبط بموجات الحر بين كبار السن ارتفع بنحو 85% منذ تسعينيات القرن الماضي".

وأشارت إنجر أندرسن، المديرة التنفيذية للبرنامج، إلى أن كبار السن، وخاصة مرضى ضعف المناعة أو الأمراض المزمنة، معرضون بشكل خاص لأخطار فشل القلب والجهاز التنفسي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.

وأظهرت دراسة لعلماء من إمبريال كوليدج لندن أن موجة الحر الأوروبية الأخيرة (من 23 يونيو الماضي حتى 2 يوليو الجاري) أدت إلى أكثر من 2,300 حالة وفاة، منها 1,500 وفاة مرتبطة مباشرة بتغير المناخ، تمثلت الغالبية العظمى منها (أكثر من 80%) في فئة عمرية 65 وما فوق، وفق وكالة "رويترز".

وأوضح الإطار الطبي أن الشيخوخة تقلل من قدرة الجسم على تنظيم الحرارة، ويصاحبها أمراض القلب والجهاز التنفسي التي تزيد الأخطار.

النساء الحوامل والأطفال

ذكرت مصادر صحية أن 88% من أعباء الأمراض الناتجة عن المناخ تؤثر في الأطفال دون سنّ الخامسة، وبيّنّت منظمة الصحة العالمية أن الأطفال في المدن أكثر تأثرًا بسبب استنشاقهم للملوثات وهم أكثر نشاطًا، ما يجعل تعرضهم للحرارة لفترات طويلة أمرًا خطِرًا.

ودفعت مواسم حبوب اللقاح الممتدة أكثر الأطفال لارتفاع في نوبات الربو وزيادة خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي.

وأبرز تقرير يونيب هشاشة النساء الحوامل أمام الكوارث المناخية مثل الأعاصير والفيضانات، التي تزيد من أخطار الولادة المبكرة، وانخفاض وزن المولود، وتجعلهم عرضة للضغوط النفسية.

وأشار التقرير إلى أن موجات الحر في آسيا أدّت إلى تفاقم مضاعفات صحية بين الحوامل، بما في ذلك مشكلات نفسية وزيادة معدلات الزواج المبكر بسبب الضغوط المجتمعية.

العمال يواجهون الحرارة والتلوث

شهد موظفو الإنقاذ وعمال البناء ارتفاعًا ملحوظًا في تعرضهم لأمراض مرتبطة بالحرارة، مثل الإجهاد الحراري واللدغات الحشرية.

حذّرت بلدية غرافولين الفرنسية هذا الأسبوع، من صعوبة عبور درجات الحرارة المرتفعة والدخول إلى البحر بالنسبة للشرطة المسلحة، ما يعكس التحديات التي تواجه العمالة في الهواء الطلق.

مأزق التكييف والإعاقة

وأشارت دراسة ووكالة حماية البيئة الأميركية إلى أن الفئات ذات الدخل المنخفض تعاني بسبب غياب التكييف وضعف التهوية، ما يجعلها أكثر عرضة لأخطار موجات الحر والأمراض ذات الصلة.

وأضافت الوكالة الأميركية أن ضعف الطبقة الاجتماعية يزيد من تأثير الحرارة في الصحة البدنية والنفسية، خاصة لدى كبار السن.

أما الأشخاص ذوو الإعاقة، فغالبًا ما يُحرَمون من تعليمات الطوارئ والتدابير الوقائية، ما يعرضهم لأخطار مُضاعفة.

ويعتمد السكان الأصليون على مصادر غذاء تقليدية تأثرت بشدة بالتغيرات المناخية، مثل نباتات الطب الشعبي وأمن الغذاء، كما تتعرض المجتمعات الساحلية والجزر لأخطار ارتفاع مستوى البحار، العواصف، والنزوح القسري.

مأساة بشرية في ارتفاع

كشف منظمة الصحة العالمية عن عدد الضحايا نتيجة حرارة الجو، مؤكدة أنه يموت سنويًا نحو 489,000 شخص بسبب الحرارة من 2000 إلى 2019، منها 36% في أوروبا و45% في آسيا.

وأشارت المنظمة الدولية إلى أن موجة الحر في أوروبا عام 2022 أودت بحياة نحو 61,672 شخصًا، تكرست بغياب تحضيرات كافية، ومن مايو 2024 إلى مايو 2025، شهد نحو 4 مليارات شخص على الأقل شهراً إضافياً من الحرارة المميتة بسبب تغير المناخ، بحسب ما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس".

ويتوقع تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP أن درجات الحرارة القصوى قد تؤدي إلى وفاة 250,000 شخص سنويًا حتى عام 2050، بسبب سوء التغذية والأمراض المرتبطة بالمناخ.

تشير تقارير منتدى الاقتصاد العالمي إلى أن 30% من سكان العالم يعيشون في مناطق معرضة لحرارة قاتلة، وقد يصل هذا الرقم إلى 74% بحلول عام 2100.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية